إن تاريخ هده الآلة شغل العديد من المؤرخين والباحثين في تاريخ الموسيقى العربية، العرب منهم والأجانب، ولم يقفوا على تاريخ موحد لهده الآلة العتيقة، كونها متجذرة في التاريخ الحضاري للإنسان، ويعود تاريخ هده الآلة إلى عهود غابرة في التاريخ الإنساني. ومن ثم تواجدت في جل الحضارات العالمية بأشكال مختلفة من حيث الحجم و الشكل والصوت الخارج منها و لكن شخصية آلة العود تبقى بارزة و ظاهرة من حيث التسمية أو طريقة التناول من حيث العزف، وقد كانت آلة العود الرئيسية في الحضاره العربية واحتل عازفوها مكانة مرموقة ومنزلة لدى سلاطينها وملوكها وحكامها، ثم انتقلت آلة العود الي اروبا بعد فتح العرب لبلاد الاندلس، وفتح العرب لجزيرة صقلية، وايضاً الحروب الصليبية التي شنتها أروبا على العرب فيما بين القرنين الحادى عشر والثالث عشر.
وظلت آلة العود بصورتها العريقة لفتره ثم ادخل عليها الكثير من التعديلات لتتناسب مع تطور الموسقى العربية مع مرور الزمن، وقامت على هذه الآلة نهضة موسيقية غنائية، وكان لها دور اساسسي في التدوين الموسيقى، فقد بنى الفلاسفة العرب بآلة العود أمثال الكندى، والفارابي ،وصفي الدين ،ومنصور زلزل، وابن سينا نظرياتهم الموسيقية مستعينين بآلة العود كأساس لها، والثابت تاريخياً ان آلة العود من الآلات الوترية التي عرفتها الممالك القديمة،عند كل من الأكاديين والسومريين والأشوريين والفراعنة والفرس ولكنها إختلفت من ناحية الحجم والشكل والمواد المكونة منها إلى أن ثبتت على الشكل المتعارف عليه في عصرنا الحديث وذلك منذ عصور الحضارة الإسلامية مع ظهور بعض التغييرات الطفيفة وذلك حسب تطور المواد المكونة ومهارة الصناع وأذواقهم ، وبالرغم من تضارب الآراء حول أصل آلة العود فاننا نجد أن معظم الكتاب يحددون بوضوح أن آلة العود قد انتقلت الى اروبا من بلاد المشرق وتعد واحدة من اقدم الالات الموسيقية في العالم، ومما لا شك فيه أن العود من الالات العربية المحببة الى نفس ووجدان وآذان الشعوب العربية ، بل ويمكن القول بأنها من أعرق الألات الموسيقية التي تكون التخت الشرقي وقد إرتبطت هذه الآلة دائما بالموسيقي والمغني والملحن والمتذوق العربي والموسيقى العربية بشكل عام، وقد كان ولازال للعود منزلة ومكانة كبيرة عند العرب وقيل فيه الأشعار والأقوال المأثورة ومنها على سبيل المثال لا الحصر قولهم أنه( سلطان الآلات وجالب المسرات).
الآلة ومكوناتها
سميت آلة العود بذلك الأسم نسبة إلى الخشب أي أنه عود من الخشب وهو من الآلات الوترية التي إشتهر بها العرب له خمسة أوتارمزدوجة أي بمعنى عشرة أوتار منفردة و يغطي مجاله الصوتي حوالي (الأوكتافين و نصف الأوكتاف) والأوكتاف هو المساحة الصوتية من بداية السلم الموسيقي إلى نهايته وصولا إلى البداية الجديدة للسلم، ويتألف العود من الأقسام التالية الصندوق المصوت و يسمى بالقصعة وهو عبارة عن ظهر العود، والصدر أو الوجه الذي تفتح فيه فتحات تسمى الشمسيات لتساعد على زيادة رنين الصوت و قوته والفرسة و تستخدم لربط الأوتار بعد مكان مضرب الريشة والرقبة أو زند العود وهي القصبة الواصلة بين القصعة والبنجق والأخير عبارة عن حامل لمفاتيح الأوتار وتسمى الملاوي حيث تثبت الأوتار على أسفل المفاتيح لتمرمن البنجق عبر الرقبة والتي تلتسق بها خشبة رهيفة السمك وهو المكان الذي يضغط عليه العازف على الأوتار ويسمى المرايا، والأنف أو العضمة و توضع في نهاية الرقبة من جهة البنجق لإسناد الأوتار عليها و رفعها عن سطح المرايا،أما الريشة فهي الوسيلة يستخدمها الضارب لأحداث الصوت بالعود وأضيف الوتر المزدوج السادس وذلك لأعطاء الآلة مساحة صوتية أكبر وفيما ندر يستخدم العود ذوالأوتار السبعة والثمانية ويسمى بالعود المسبع والمثمن .
البعد القصصي والأسطوري
وفي إختراع آلة العود أقوال كثيرة اختلف فيها الوؤرخون وتباعدت مذاهبهم وتباينت استدلالاتهم وأعتمدت بعضها على الدين وأخرى على السحر، والعود من أكثر الآلات التي تعرض تاريخها إلى الأساطير والتعليلات والأقاصيص ذات الطرافه وقد تضاربت الأقاويل في نشأته ونسب إختراعه وتطوره، فمنهم من قال أن أول من اخترعه هو " لامك بن متوشاح بن محويل بن عياد بن اخنوخ بن قايين بن آدم عليه السلام" وكان قد ولد له ولد قبل وفاته بعشر سنين فأشتد فرحه فلما أتت على الغلام خمس سنين مات فجزع له أبوه جزعا شديدا،فأخذه فعلقه على شجرة فقال لا تذهب صورته عن عيني حتى أموت فجعل يقع لحمه من العظام حتى بقيت الفخذ بالساق،والقدم بالأصابع فأخذا عودا من الخشب ورققه فجعل صدره على صورة الفخذ وعنقه على صورة الساق ومؤخرته على هيئة القدم وعلق عليه أوتارا كالعروق ،ثم جعل يبكي به وينوح حتى عُمي وكان أول من ناح وغنى على فراق إبنه وسميت الآلة التي صاحبته بالعود، ومنهم من قال ان أول من صنعه " نوح عليه السلام " وفقد اثناء الطوفان، وقيل أيضا أن اول من صنعه " جمشيد " وهو ملك من ملوك الفرس وأسماه (البربط) أي باب النجاة ، وقيل إنه في عهد داوود عليه السلام استخرج وهذب وضرب به وذكر العلماء أن العود الذي كان يضرب به لم يزل بعد وفاته معلقا ببيت المقدس الى حين وصول الفرعون بختنصر وقيامه بتخريب ذلك البيت، وقيل أن الجن صنعته لسيدنا سليمان عليه السلام ليزكي به صوته الحسن . وإذا كانت المصادر العربية قد جعلت " لامك " هو مخترع العود فإن التوراة جعلت " يوبال بن لامك " من سلالة قايين بن آدم أبا لكل ضارب على العود والمزمار، والبعض الاخر يعزو هذا الاختراع الى " أفلاطون " ويزعمون انه كان ينوم سامعيه إذا عزف من مقام معين ثم يغير المقام إلى آخر فيوقظهم.
البعد المادي وذلك على مستوى علم الأثار الموسيقي:
يرجع تاريخ العود إلى عصور ما قبل الأسلام وميلاد سيدنا عيسى عليه السلام حيث وقع اكتشاف العديد من الآثار الّتي ترمز إليه أو شبيهه خلال التّنقيبات الحفريّة في مجموعة من المواقع بالعراق والأردن ولبنان وسوريا ومصر وتركيا وإيران والصين والهند. وقد وقعت الإشارة إلى هذه الآلة في كثير من المخطوطات والكتابات الّتي تناولتها بالدّرس والتّحليل الفنّي والعلمي في كثير من بلدان العالم بالإضافة إلى البلدان العربية ، عرف العود على مر مراحلة الزمنية حتى الآن بأسماء عديدة عند العرب وهي الموتّر و الكران و المزهر و البربط والمعزاف. وسمي بـ (لوت) عند الأوربيين وقيل أن الطنبور هو نوع من أنواع الأعواد،وبظهور الإسلام ازدهرت الحياة العلميّة والثقافية عند العرب منذ فجر الأسلام وحتّى نهاية الخلافة العبّاسيّة وسقوط الدّولة الأندلسيّة في أواخر القرن الخامس عشر ميلادي في فترة لاحقة، وبتجاوز زمن التّراجع الثّقافي والفكري لدى العرب من تاريخ سقوط غرناطة و حتّى فترة متأخّرة من ما بعد حملة نابوليون بونابارت على مصر، تجدر بنا الإشارة إلى عودة الإهتمام بالموسيقى و بآلة العود حيث عرفت هذه الأخيرة تطوّرا ملحوظا على مستوى صناعتها بالتّزامن مع بروز العديد من العازفين المهرة و من المؤلّفين الموسيقيّين البارعين والمنتشرين في كامل أقطار العالم العربي.